يناير 16, 2024
فريق “سيريالاند” بالتعاون مع “غلوبال جستس سيريا نيوز” و”العربي القديم” في نشر متزامن.
تستمر فعاليات أسبوع المعتقلين السوريين (11 – 21 يناير) في الخارج والداخل، بمشاركة مناطق الشمال السوري وحراك السويداء.
وبعد أن استمعنا إلى انتقادات بعض القوى السياسية المعارضة في الداخل لأداء المعارضة الرسمية في قضية المعتقلين كان لزاماً علينا أن نستجلي آخر مساعي المعارضة الرسمية في هذا المسار.
كنا استقصينا آراء بعض القوى السياسية في الداخل تزامناً مع فعاليات أسبوع المعتقلين، ومعظمها وجّه الانتقادات، وبعضها أشار إلى ما أسماه “الاستعجال في التفاوض مع النظام دون إلزامه بإطلاق سراح المعتقلين”، وبعضها الآخر وصف الأداء بال- “خجول والمحدود”، في ما يشكل صدىً لدعوات سابقة من الداخل السوري تكررت أحياناً، بل ووصلت حد المطالبة بإقصاء المعارضة الرسمية.
هذا في الوقت الذي يرى آخرون أن إزاحة المعارضة أو “إسقاطها” في حال نجاحه لن يخدم سوى عرقلة بعض المسارات ومنها “قضية المعتقلين”، وعمل الآليات الناشئة والاتصالات السياسية مع الدول الفاعلة في هذه القضايا.
التقينا أليس مفرج مسؤولة ملف المعتقلين والمفقودين في هيئة التفاوض السورية لبيان أبرز ما تفعله الهيئة في هذا الشأن، وتقييم مواقف الدول ذات النفوذ في سوريا بهذا الصدد.
* من الواضح أن قضية المعتقلين ليست محط اهتمام الدول المؤثرة في المشهد السوري، ما أبرز المستجدات في هذا الصدد؟
– منذ بيان جنيف في عام 2012 وكل ما تبعه من وثائق تتعلق بملف الاعتقال والاختفاء القسري لم يتم إحراز أي تقدم في هذا الملف، إضافة إلى عجز كامل من الدول والمنظمات الدولية المعنية، ومن أبرز التحديات التي نعاني منها في هذا الملف؛ غياب الإرادة الدولية، واكتفاء المجتمع الدولي بإصدار بيانات مطالبة بالمعتقلين والتعامل مع القضية بوصفها “ملفاً ساكناً”، إضافة لسياسة الإنكار التي يتبعها النظام، وتسييس النظام للملف وجعله فرصة للابتزاز السياسي بين الدول، وحرفه عن مساره بصفته “ما فوق تفاوضي” علما أن قرار مجلس الأمن 2254 يكلف مجموعة أصدقاء سوريا باستخدام نفوذها الفوري للإفراج عن المعتقلين، ولكن الدول العظمى وذات النفوذ لم تمارس الضغط الكافي لإنقاذ الضحايا.
في المقابل حقق ملف المعتقلين تقدماً في إطار المحاكمات الوطنية في الدول الأوربية بموجب الاختصاص العالمي، وفي إطار التحرك الهولندي الكندي في محكمة العدل الدولية، وبالتوازي مع استمرار العمل على توثيق الحقيقة المعلنة في تقارير اللجنة الدولية للتحقيق، بالإضافة إلى صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحداث مؤسسة جديدة للمفقودين، وإلى الاستعراض الدوري الشامل وإلى قرارات مجلس حقوق الإنسان التي أنصفت نظرياً الشعب السوري بتوصيف جرائم النظام، لكنها لا تمتلك صيغة تلزم الأطراف باحترام توصياتها.
* ماذا عن الموقف الأميركي تحديداً؟
– الولايات المتحدة ما تزال تحافظ على حالة من التوازن في إدارة الصراع، دون إرادة بإنهائه، وهذا ينطبق على ملف المعتقلين، فهي فرضت العقوبات بقانون قيصر وتبني سردية ” تعديل سلوك النظام” منذ 2018 . واستمرت بإعلانها رفض التطبيع معه، لكنها أعطت الدعم لنهج المبعوث الخاص بما يسمّى مقاربة “الخطوة مقابل خطوة”، وهي سياسة تبادل المنافع مع النظام مقابل رفع العقوبات جزئيا للبدء بالتعافي المبكر، بمعنى أن الأسد إن اتخذ هذه الخطوات يمكن تسويقها باعتبارها تقدّم، مثل تلك التي تندرج تحت عنوان معرفة مصير المفقودين، أماكن وجودهم، الإفراج المرحلي، الإفراج عن النساء والأطفال، وقدرة الأهالي على التواصل مع معتقليهم. مايعني استخدام ملف المعتقلين في هذا البازار السياسي، هو الخروج الكامل عن القرار .2254.
* وما هي الضغوط الممكنة المأمولة من هذه القوى الدولية؟
– بالطبع، تستطيع الدول فعل الكثير وبما يتوافق مع القرارات التي تم إصدارها في مجلس الأمن، تضغط على روسيا أو تقايضها لتمكين اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولتمكين بعثات المراقبة الدولية من دخول السجون السرية والعلنية، لقد فرضت على النظام ذلك في ملف الأسلحة الكيميائية، واستطاعت أن تلزمه بالتوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، تستطيع إذا توفرت لديها الإرادة السياسية أن تستخدم ذات الآليات الدولية لإنقاذ الأرواح من التعذيب والتغييب في سجون النظام.
* بشأن الآلية الدولية الجديدة المعنية باستجلاء مصير المفقودين، تقرَّر أن يطور الأمين العام للأمم المتحدة إطارها المرجعي في غضون 80 يوما ولم يتم ذلك حتى الآن، أين وصلت هذه الجهود؟
– أصدر الأمين العام للأمم المتحدة تقريره المتضمن اللائحة الداخلية للمؤسسة، ويركز على الدور المحوري للضحايا، ويتضمن آليات تنفيذية بإشراك ممثلين عنهم في هيكليتها، من خلال مجلس استشاري من ناحية، وبإحداث مركز محامي الضحايا في المؤسسة من ناحية ثانية، بالإضافة إلى منصة خاصة بالخبراء والمنظمات السورية والدولية المعنية، وبالتوازي مع النص في التقرير، كما في نص القرار، على دعم العائلات والناجين والناجيات؛ هذه اللائحة أصدرها الأمين العام بناء على اقتراح مفوضية حقوق الإنسان وبالتشاور مع روابط الضحايا ومنظمات المجتمع المدني السوري الحقوقية، ومع الحكومات والجهات المعنية في الأمم المتحدة، ومتوقع أن تباشر عملها خلال النصف الأول من العام الحالي.
* ومن جهتكم (هيئة التفاوض)، ما هي الخطوات العملية التي أُنجِزت؟
– نحن نعمل بالتكامل مع المجتمع المدني، ونتبنى مطالبات ورؤى عائلات الضحايا، ونتمسك بمرجعية القرارات الدولية، وطلبت المفوضية السامية من النظام ومن هيئة التفاوض، تقديم تصور عن عمل المؤسسة الدولية الجديدة – قبل هذا القرار (إنشاء المؤسسة)- وقمنا (هيئة تفاوض) بمشاورات مع منظمات المجتمع المدني والخبراء والخبيرات، وقدمنا تصوراً مبنياً على تصورهم وبالاتفاق معهم، وأخذنا بعين الاعتبار أن هذه المؤسسة يجب أن تكون “آلية إنسانية”، ولابد من الإشارة هنا إلى أن استخدام مصطلح “إنساني” لتأطير ولاية المؤسسة الجديدة لا يعني التنازل عن الحق في المحاسبة.
في 4\6\2023، عقدنا جلسة لمجلس الأمن بصيغة “آريا” برعاية عشرة دول منهم الاتحاد الأوروبي وأميركا والعديد من المنظمات العاملة في هذا الشأن، من أجل أن تطبق المؤسسة المستقلة نهجاً يركز على الضحايا والناجين وتسترشد بالمبادئ والسمات الأساسية المتعلقة بمسألة “الجنسانية” وتمثيل النساء بنسبة المناصفة، وركزنا على وجوب أن تعمل الآلية الجديدة ضمن إطار القرار 2254 وألا يعتبر تقديم الدعم للضحايا والناجين وأسر المفقودين من قبيل جبر الضرر قبل تحقيق الانتقال السياسي.
* كيف يجري التنسيق بينكم وبين المنظمات الحقوقية السورية الداعمة للقرار؟
– نحن كلجنة معتقلين في هيئة التفاوض، عملنا على التشاركية في عملنا، وبنينا على جهود روابط الضحايا، في تقديم أوراق سياساتية وسياسية للمجتمع الدولي وشاركنا أيضا في صياغة أوراق تحديداً مع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في فريق تنسيق السياسات بما يتعلق بالمضامين الدستورية المتعلقة بالاعتقال والإخفاء ، وحالياً سنصدر كتاباً بهذا الموضوع، وعملنا كقوة ضاغطة من أجل إنشاء هذه المؤسسة، وعملنا مع المنظمات النسوية التي اشتغلت بهذا الخصوص وقدمنا رؤيتنا مع هذا المسار بشأن كيفية “جندرة” عمل المؤسسة وجندرة الملفات المتعلقة بالاعتقال، ولدينا دائما فعاليات تجريها هيئة المفاوضات في مجلس حقوق الإنسان.
* في ظل رفض النظام وداعميه التصويت (إيران، روسيا، كوريا الشمالية، كوبا، الصين) وامتناع معظم الدول العربية، كيف ستدعم الدول المؤيدة للقرار جهود المؤسسة الناشئة؟
– تستطيع إذا ما أرادت أن تدعم المؤسسة سياسياً بتبني مقترحاتها، ولوجستياً بتقديم المساهمات اللوجستية والتكنولوجية الضرورية لعملها، مثلما حدث ذلك في ملف الكيماوي.
* بعض القوى الداعمة للنظام تدّعي أن القرار لا يشمل “المفقودين عند داعش والنصرة والجيش الوطني وقسد وغيرها من أطراف النزاع”، هل هذا صحيح؟
– المؤسسة تشمل في ولايتها كامل النطاق الجغرافي للأراضي السورية، ومثل هذا التبرير محاولة لإعاقة عمل المؤسسة، لأن القرار واضح، والشرط الأساسي هو تعاون النظام السوري مع هذه المؤسسة، وغالباً أن مؤسسات المعارضة ستربط تعاونها مع المؤسسة بمقدار تعاون النظام السوري معها، وهذه نقطة مهمة جداً يجب أن تؤخذ في الحسبان، إن امتنع ستتحول إلى آلية بلاأسنان.
* قـام النظـام خـارج إطار محادثات “جنيف” أو “أستانة” باعتمـاد نهـج “عمليـات التبـادل”، وهـي بالمئـات مـع الفصائـل العسـكرية” بحسب ما ورد في “الورقة البحثية الخلفية من كتيب العدالة الانتقالية في سوريا”، هل يعني ذلك أن “عمليات التبادل” تلك هي الطرق الوحيدة المتاحة لتحرير المعتقلين؟
– ذكرت بسبب غياب استقلالية القرار السوري تم سحب الملف من جنيف وتحويله إلى أستانا لربطه مع ملف إيقاف إطلاق النار، في خطوة أدت إلى حرفه عن مساره وغاياته، وتم التعامل مع قضية المعتقلين ك- “صفقة مصلحية” على أنهم أسرى حرب على خلفية النزاع المسلح، والتبادل بين طرفي النزاع وأخضعوا هذا الملف للابتزاز السياسي، وهذا أكدت عليه بكونه تعزيزاً لجرائم “اقتصاد الحرب” عند النظام لابتزاز أهالي المعتقلين بمبالغ مالية كبيرة جداً مقابل الإفراج أو تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، مايجب التأكيد عليه أن معتقلينا ليسوا أسرى حرب، ولسنا ضد هذا الأسلوب عموما، لكن المطلوب هو الإفراج الكامل.
* بالنظر إلى الحراك المتجدد اليوم في السويداء، ما هي أحدث الإحصاءات بشأن المعتقلين فيها؟
– وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مالا يقل عن 2258 شخصاً من أبناء محافظة السويداء، من بينهم 6 أطفال و12 سيدة، لا يزالون قيد الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري وذلك منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2023. ومقتل ما لا يقل عن 42 شخصاً من أبناء محافظة السويداء قضوا بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري، وذلك منذ آذار/ 2011 حتى تشرين الثاني/ 2023، وانطلق حراك السويداء اليوم بانتفاضة محلية ببعد وطني تطالب ساحة الكرامة يوميا منذ خمسة أشهر بالمعتقلين السوريين والمخفيين من كل سوريا كأولوية.
* في خلاصة والسؤال الأهم ربما من كل ما سبق.. عملياً، ماذا تقولون لذوي المعتقلين الباحثين عن أي طريقة لمعرفة مصير مفقوديهم؟
– لم يجتمع السوريون والسوريات على قضية كما يجتمعون على قضية المعتقلين وأحقيتها، وكونها قضية تتقاطع مع جميع الأولويات في جميع المسارات السورية، وأعتقد أن أي مأزق يتحول إلى فرصة بتوحيد الجهود هو مسألة مهمة للسوريين أنفسهم، وقلتها في مجلس الأمن “فقدنا ثقتنا بالمجتمع الدولي لكننا لم نفقد الأمل، والضغط مستمر.