من المفترض أن تكون باريس صاحبة دور أكبر في دفع الحل السياسي نحو التنفيذ على مستوى مجلس الأمن الدولي
4 شباط 2024
أجرى وفد هيئة التفاوض السورية برئاسة الدكتور بدر جاموس لقاءً في مبنى وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، بالسيد ناثان هايك، مستشار وزير أوروبا والشؤون الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتعليقاً عن اللقاء، قال الدكتور بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض المعارضة، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن موقف فرنسا قد يؤثر في مسار العملية السياسية السورية التي يوقفها النظام وبحاول التلاعب غير آبه لنا وصلته سوريا وشعبها المهجر والمجوع.
س – أجريتم لقاءً مع مستشار وزير أوروبا والشؤون الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما محتوى اللقاء؟ هل أحسستم تجاوباً لحلحلة النزاع السوري وفرض العملية التفاوضية على النظام الذي يرفض التفاوض وتنفيذ القرارات الدولية المعلقة؟
ج – كان لقائنا مع السيد ناثان هايك، مستشار وزير أوروبا والشؤون الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إيجابيا وبناءً، حيث تبادلنا الأفكار ووجهات النظر بما يخص الملف السوري، وتناولنا الصعوبات التى تحول دون تحقيق أي تقدّمِ في العملية السياسية، وعرقلة النظام السوري لأية جهود لحل القضية السورية، وتهرّبه من تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2254.
لم تقتصر لقاءاتنا في فرنسا على السيد هايك، بل كان لنا لقاءات في الخارجية مع السفيرة بريجيت كرمي، المبعوثة الخاصة الفرنسية لدى سورية، والسيد إيمانويل سوكيه، نائب مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة أوروبا وشمال أفريقيا، فضلاً عن لقاءات في البرلمان الفرنسي مع السيد جان لوي بورلانج، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، وبرلمانيين يمثلون تيارات سياسية مختلفة بما فيها التيارات المعارضة، بالإضافة إلى الحل السياسي كوسيلة لإحلال السلام والاستقرار في سورية، والتحركات الدولية المطلوبة، ناقشنا أيضاً مع الفرنسيين الوضع الإنساني المتردي بل والمأساوي في كافة المناطق السورية، وتحدثنا حول شحّ الموارد التي وصلت إلى مرحلة خطيرة تُنذر بمجاعة وكارثة إنسانية لا يوجد لها حل في الأفق بدون الحل السياسي الشامل، كما جدّدنا رفضنا لأية محاولات لتقسيم سورية من أي طرف كان.
ومن القضايا الهامة التي أثرناها مع الفرنسيين أيضاً، الحراك الثوري في السويداء، وضرورة دعم هذا الحراك وتسليط الضوء عليه لأنه يؤكد أن الثورة السورية متجددة ولن تنتهي، وكذلك استعرضنا تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في درعا، وضرورة الحذر من تلاعب النظام السوري في المناطق الحدودية، وأشرنا إلى دور فرنسا في التأثير على “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)” و”الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية، وضرورة تغيير ممارساتها وسلوكها ومنح المكونات العربية وبقية المكونات الموجود في شرق الفرات حقوقها الكاملة، وخطورة عدم وقفها للانتهاكات والتجاوزات التي تقوم بها تجاه المكونات الأخرى في المنطقة.
لقد أبدى الفرنسيون تفهّماً كاملاً، ولمسنا تجاوباً للتحرك، ومن المفترض أن تكون فرنسا صاحبة دور أكبر في دفع الحل السياسي نحو التنفيذ على مستوى مجلس الأمن الدولي، باعتبارها كانت رئيسة دورية لمجلس الأمن، وعضواً دائماً فيه، وأن تُساند السوريين في إبقاء الملف السوري على أولويات الأجندات الدولية والأممية والأوربية أيضاً.
س – ما مدى خطورة استمرار تهرب النظام السوري من العملية السياسية والتفاوض، هل يمكن أن يُساهم في إطالة عمر الأزمة؟
ج – خلال الشهرين الأخيرين، قمنا بجولات أوروبية عديدة، التقينا خلالها بمسؤولين أوربيين في باريس وجنيف وبروكسل وغيرها، وناقشنا استمرار تهرب النظام السوري ورفضه للحل السياسي، وطالبنا بجلسة في مجلس الأمن لتقيّم الوضع، وشددنا على ضرورة أن يكون هناك موقف دولي واضح من تهرّب النظام من الحل السياسي، لأن استمرار تهرّبه من الحل السياسي سيزيد سوء الأوضاع الأمنية، ويوسّع دائرة الإرهاب، ويزيد الفقر والحاجة، ويُفاقم اللجوء من سورية إلى دول العالم، كذلك فإن استمرار تهرّب النظام مدة أطول يُهدد بتعرّض سورية إلى التقسيم، وهي أمور نسعى لتفاديها بكل ما نمتلك من قدرات سياسية ودبلوماسية.
الأزمة السورية ستستمر وتتفاقم طالما استمر النظام السوري في تعنّته ورفضه لكل مبادرات الحل السياسي، ورفضه للقرارات الدولية التي أجمع المجتمع الدولي عليها، وخاصة القرار 2254 والقرار 2118، ويقوم النظام بالتهرّب ورفض كل المبادرات التي يمكن أن تُوصل سورية إلى بر الأمان، وتضمن للسوريين دولة ديمقراطية تعددية تداولية، تحترم الإنسان وتحفظ كرامته وحقوقه.
لكنّ النظام السوري لن يستطيع التهرّب من هذه الاستحقاقات الحتميّة إلى الأبد، فالحل السياسي هو الطريق الوحيد والإلزامي الذي يؤدي إلى استقرار الأوضاع في سورية، وهو الحل الذي يُرضي كل السوريين ويعيد الأمان إلى بلدهم، ويفتح الآفاق لإعادة إعمار سورية، وإعادة الاستقرار الأمني وعودة اللاجئين، ودون هذا الحل السياسي ستؤول الأوضاع إلى الأسوأ، وقد تصل إلى مستويات كارثية على الصعيد الإنساني والاقتصادي والأمني.
س – هل يمكن أن يكون لباريس تأثيرا على النظام خاصة وأنها كانت الأولى في إصدار مذكرة توقيف بحق بشار الأسد في قضية الهجمات الكيميائية؟
ج – باريس هي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعليها مسؤوليات حفظ الأمن والسلام الدوليين، بالإضافة لأعضاء مجلس الامن الباقين، ولا ننسى أيضاً أنها دولة هامة وقوية وأساسية في الاتحاد الأوروبي، ولها دور واسع في الشرق الأوسط، وكلّ ذلك يُحملها عبئاً إضافياً للمساعدة في وقف التدهور في سورية وفي الشرق الأوسط عموماً.
إن مذكّرات التوقيف والمحاسبة هي من الملفات المهمة للضغط على النظام السوري، هذا النظام الذي نعتقد أنه لا يفهم لغة الخطوات الإيجابية، ولا يتجاوب مع المنطق والسياسة الدولية السليمة، ولهذا فإنه على المجتمع الدولي تغيير استراتيجيته تجاه هذا النظام، ولا يمكن تقديم العطايا والمكافآت له مقابل استمراره بالاعتقال والتهجير وترويج المخدرات ورفض الحل السياسي، وعلى الدول الأخرى أن تحذو حذو فرنسا وتُحاكم وتُصدر مذكرات اعتقال بحق كل من ارتكب جرائم ضد الإنسان وجرائم حرب في سورية.
إن فرنسا تقف إلى جانب الثورة السورية منذ انطلاقتها، وقد أبدت مواقفاً تُحسب لها خلال السنوات الماضية، وكانت نصيراً للسوريين التواقين للحرية ولدولة المواطنة والقانون، وكان موقفها واضحاً في العديد من المحافل الدولية، ووفق ما سمعناه في اجتماعاتنا الأخيرة معهم، فإن هذا الموقف لم ولن يتغير طالما بقي الحل السياسي غير مُطبّق، وطالما بقي النظام السوري رافضاً له ورافضاً للتجاوب مع تطلعات وآمال السوريين.
س – تغيرات كثيرة على الساحة السياسية الإقليمية والدولية تجاه النظام السوري، وحتى ما يسمى بالمصالحة مع دمشق ظلت ورقية لاعتبار تعنت النظام وعدم قبوله شروط الجامعة العربية والدول في عدة مسائل أبرزها الملف الإيراني، هل يمكن ان يكون لها التأثير في حلحلة الأزمة السورية المعلقة؟
ج – نعتقد أن أي عملية سياسية ليست ذات معالم واضحة، ستكون استمراراً للمراوغة والتلاعب بالوقت، وستكون انعكاساتها ونتائجها سلبية على السوريين، ولا يمكن أن تنجح المبادرات الجزئية التي لا تحقق تطلعات الشعب السوري بأكلمها، ولهذا يجب المضي فقط بمبادرات واضحة المعالم ومتكاملة وتنسجم مع القرار الأممي 2254، مبادرات قادرة على أن توقف آلة القتل، وتضمن محاسبة المجرمين، وتؤدي إلى تغيير الدستور، ووضع حد لتسلط الأجهزة الأمنية، ووضع حد للفساد والتسيّب والانهيار، وتضمن حقوق السوريين بكل شرائحهم ومكوناتهم، وتضمن الانتقال إلى دولة حضارية متمدّنة تحترم حقوق الإنسان وتحفظ كرامة المواطن وحريته.
لقد فشلت المبادرات العربية الأخيرة للتطبيع مع النظام، ولم تتقدم قيد أنملة، ولم يكن لدينا شك في أن النظام السوري لن يتجاوب مع هذه المبادرة العربية الأخيرة التي حاولت فتح الباب له ومدّه ببعض الأمل، ولم نكن واهمين من أنه لن يفي بما وعد به، لأنه اعتاد على التهرب من كل التزاماته ووعوده طوال عقد ونيُف، وهذا ما بدأت الدول العربية وغيرها تعيه بشكل واضح وجلي.
س – أخيراً، أي سبل قد تفرض على النظام السوري الانخراط في العملية السياسية بشكل عاجل؟
ج – على المجتمع الدولي إيجاد آليات مختلفة وفعّالة توقف النزيف السوري، وتوقف الموت والدمار في سورية، وتفتح أبواب المعتقلات، وتحدّ من اللجوء والهجرة، وتضع نهاية للفقر والمخدرات والإرهاب، وتضمن وقف انهيار الدولة السورية، تلك الأمور التي أصبحت تؤثر على المنطقة والعالم كلّه، وتفتح أبواب الفوضى، وتُساهم في سيطرة الميليشيات على المنطقة وخاصة الميليشيات المدعومة إيرانياً، وهو خطر كارثي واسع مُتمدّد، يتجاوز حدود سورية إلى كل الدول الإقليمية والعديد من دول العالم.
المطلوب الآن، وفي كل وقت، أن يقف المجتمع الدولي عند مسؤولياته، وأن يتّخذ خطوات أكثر فاعلية في هذا المجال، لأن الصراع في سورية ليس صراعاً مجمّداً، ولا يجب التغاضي عنه، إنه ثورة شعب مستمرة، ثورة شعب يريد حياة كريمة، ويريد الحرية والعدالة والمساواة، ويطمح لبناء دولة ديمقراطية تضمن له كل الحقوق.